الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***
قال الله تعالى - وهو أول ما أنزل من القرآن: "اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". فجعل تبارك اسمه أول ما أنزل من القرآن ذكر التفضيل على عباده بخلقه لهم، وما ندبهم له بذلك، من البقاء الدائم والنعيم المتصل، لمن آمن به ووحده وصدق بنبيه صلى الله عليه وسلم. ثم أتبع ذلك بذكر الأنعام عليهم بما علمهم من الكتاب الذي به قوام أمر دينهم ودنياهم، واستقامة معائشهم وحفظها. ولولا أن من لا يحسن الكتابة يجد ممن يحسنها معونة وإبانة عنه، لما استقام له أمر، ولا تم له عزم، ولحل محل الصور الممثلة، والبهائم المهملة. ومعنى قوله الذي علم بالقلم: الذي علم الكتابة بالقلم. وقال عز وجل: "ن والقلم وما يسطرون، ما أنت بنعمة ربك بمجنون" فأقسم في القرآن بما خلق من ذلك أعني القرآن وما يكتب به من حبر ومداد وما يكتب فيه من سفر وقرطاس وأشباههما. على أن نون ههنا، عند بعضهم، السمكة التي تحمل الأرضين. وقال بعضهم: يريد الحرف. وكذلك عند هؤلاء يس وطس وكل ما في القرآن من ذلك. وإنما هو افتتاح السور بهذه الأحرف التي السور منها غير خارجة عنها. يقول عز وجل هذا القرآن بهذه الحرف العربية، ليس فيها لسان أعجمي ولا حرف من حروف العجم ليبطل بهذا ما زعمه الكفار أن النبي صلى الله عليه وسلم يتعلم القرآن من يهود ونصارى يقرأون بالعبراني وغير ذلك من الألسن. ألا تراه جل وعلا كيف بين ذلك فقال: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين". وسأل رجل أحمد بن يحيى ثعلب، وأنا حاضر، عن قسم الله عز وجل بالأشياء التي خلقها مثل قوله تعالى: "والتين والزيتون، وطور سينين، وهذا البلد الأمين، لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم" فوقع القسم على الآية الأخيرة. فقال أحمد بن يحيى: رأيت الرؤساء من العلماء يقولون معناه: وخلقي الذي لا يقدر أحد أن يخلق مثله لقد كان كذا وكذا. وقال جل وعلا: "وإن عليكم لحافظين، كراماً كاتبين، يعلمون ما تفعلون" وقال: "بأيدي سفرة كرام بررة". فالسفرة الكتبة، الواحد سافر والجمع سفرة، مثل كافر وكفرة. ومعنى سافر كاتب يكتب في الأسفار، واحدها سفر، وهي الصحف وسفر إذا كتب من سفر فهو سافر. وكان المأمون وجد على بعض كتابه في شيء، فكتب إليه: ونحن الكاتبون وقد أسأنا *** فهبنا للكرام الكاتبينا فعفا عنه. وبالكتابة جمع القرآن، وحفظت الألسن والآثار، ووكدت العهود، وأثبتت الحقوق، وسيقت التواريخ، وبقيت الصكوك، وأمن الإنسان النسيان، وقيدت الشهادات، وأنزل الله في ذلك آية الدين وهي أطول آية في القرآن. وقد سمعت بعض من حرم فضيلة الكتابة يقول: لو كانت الكتابة فضيلة، لكانت في رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهو لا يدري أن في ذلك فضلاً لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونقصاً لغيره، لأن الكفار إدعوا عليه أنه يحسن الكتابة، وأنه يتعلم ما يأتي به في القرآن من أهل الكتاب، وكتبه فهو يقرأه، ويأتي بتفسير شيء منه، ويشرحه بلسانه، وهو صلى الله عليه وسلم ما قرأ ولا كتب قط، ولا هيأ الله له طلب ذلك، ولا عرف بتعلمه لما أراده جل وعز من الاختصاص بالرسالة، وإيضاح الحجة، على من زعم أنه يكتب. ألا ترى إلى حكاية الله عز وجل لقول الكفار: "اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً"، ما كذبهم عز وجل وجعل من أفضل صفاته عليه الصلاة والسلام قوله: "النبي الأمي"، فقال: "فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي". وقال: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي". وليس هذا الكتاب والفوائد فيه معمولاً لتابع دون متبوع، ولا خامل دون نبيه، ولا محروم دون محظوظ. ولا ينبغي لمن رفعته حال، وساعده جد، وهو يؤنس من نفسه تقصيراً في الأدب، وتخلقاً عن صناعة الكتابة، أن يغتر بحظه، وإقبال الأيام عليه في وقت، فإنها دول منقلبة وأحوال متصرفة، وليتلاف ما ضيع، ويستدرك ما فرط، ولا يتكل على كفاءته، مشتغلاً بلذته، ومريحاً قلبه وجسمه، مستعيراً في كل وقت عليهم، ومتكلاً على كفاءتهم، ينام ويسهرهم، ويفرغ ويشغلهم. فإن هذا الفعل إنما يحسن بالرؤساء إذا أشرفوا على العلم، واستفلوا بالصناعة، وعرفوا ما يحتاجون إليه من أمر الكتبة وحفظوه. فعند ذلك تشرف عندهم أنفسهم، ويحسن بمن عندهم استقامتهم، حتى تحملوا عنه ما هو أعلم به منهم، ولا يكونوا أسراء في أيديهم، ولا مضطرين إلى ما عندهم. وقد قال بعض الحكماء: "كل شيء يمكن أن يستعار إلا اللسان" وقال: من خدم السلطان بلا علم واستقلال، وتجربة وكمال، كان بمنزلة راكب فيل صعب، وسابح في بحر قد جف". ومع ذلك فإن الأتباع إذا أحسوا من الرؤساء بتفويض إليهم، على قلة علم منهم، واضطرار إلى كفاءتهم، ولم يحس الأتباع منهم حسن مجازاة على جميل إفادتهم، سوء مكافأة على قبيح أفعالهم، حتى يستوي عندهم محسنهم، ومسيئهم وخائنهم وأمنهم، وكافئهم وعاجزهم؛ انتقل الأمين عن مر الوفاء إلى حلاوة الخيانة، وازداد الخائن بصيرة فآثر الإضرار، وقصر الكافي عن إتعاب النفس وكد الانتصاح؛ فقد يرى الأمين صنيعة فيخون، ويرى الخائن جرماً فيعف، فيضطرب عند ذلك الحبل، وينشر الأمر، وتنعكس مساوئ قوم محاسن آخرين. قال أبو بكر: وإنما ذكرت هذا الفصل، لأرغب أهل هذه الصناعة الشريفة، في الإقبال عليها، وإنفاق بعض العمر في طلبها، فإنها من أجل ما كد فيه الفكر، وقطعت به الأيام. وقد استعمل اللفظة التي حكيتها - أعني إنفاق بعض العمر - شاعر من الأزد فقال: هزئت عميرة إذ رأت ظهري انحنى *** وذؤابي علت بماء خضاب لا تهزئي مني عمير فإنني *** أنفقت فيكم شرتي وشبابي وفيه غناء في طريق الثقيل الثاني. وليس يجب لمن صفر من هذه العلوم أن يدع التعلم آيساً من الاستفادة، مولياً عن الاستزادة. فربما كان الإنسان مهيأ الذهن لحمل العلم، قريب الخاطر، متقد الذكاء، فيضيع نفسه فإهمالها ويميت خواطره بترك استعمالها، فيكون كما قال علي بن الجهم: والنار في أحجارها مخبوءة *** ليست ترى إن لم يثرها إلا زند وإنما أخذه من قول الأول: أنا النار في أحجارها مستكنة *** متى ما يهيجها قادح تتوقد ومثل قوله: أنفقت فيكم شرتي وشبابي ما أنشدناه ابن ذكوان القاسم بن إسماعيل قال: أنشدنا أبو مجلي السعدي لحضرمي بن عامر يعاتب عوف بن عبد الله في أبيات: تجود أسباب المودة بيننا *** حديثاً وأسباب المودة تخلق لعلك يوماً أن يسؤك أنني *** قريب ودوني من حصى الأرض مخفق وتنظر في أسرار كفيك هل ترى *** لها خلفاً مما يفيد وينفق هذا مثل يضرب للنادم قال الأعشى: فانظر إلى كف وأسرارها *** هل أنت إن أوعدتني ضائري ومنه قول الله عز وجل: "فأصبح يقلب كفيه على ما أنفق فيها". وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قريش أهل الله وهم الكتبة الحسبة". وروي عن كعب الأحبار، أنه قال: "إنا لنجد قريشاً في الكتاب الكتبة الحسبة ملح الأرض". وروي في تفسير قوله تعالى: "ويعلمهم الكتاب والحكمة" قال: يعني القرآن لا الخط قال الشاعر: إن الكتابة رأس كل صناعة *** وبها تتم جوامع الأعمال قد ذكرت أن اختصر جميع ما أذكره، وألقي أسانيده ليقرب على طالبه ومستفيده، إلا ما لا بد منه، من ذكر نسبته وإسناده، وإنما أجري إلى ما ذكرته. روي عن كعب الأحبار، أنه قال: "أول من كتب الكتاب العبري والسرياني وسائر الكتب آدم صلى الله عليه وسلم، قبل موته بثلثمائة سنة، كتبها في طين ثم طبخه، فلما غرق الله جل وعز الأرض، أيام نوح، بقي ذلك فأصاب كل منهم كتابهم. وبقي الكتاب العربي إلى أن خص الله به إسماعيل فأصابها وتعلمها". وروي عن ابن عباس "أن أول من وضع الكتابة العربية إسماعيل على لفظه ومنطقه، فعلمه موصولاً حتى فرق بينه ولده". وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص وعروة بن الزبير أنهما قالا: "أول من وضع الكتاب العربي قوم من الأوائل، نزلوا في عدنان بن أد بن أدد، أسماؤهم أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص قرشت، فوضعوا الكتاب العربي على أسمائهم ووجدوا حروفاً ليست من أسمائهم وهي الثاء والخاء والذال والظاء والضاد والطاء والغين قسموا بالروادف". وقد روي أنهم كانوا ملوك مدين، وأن رئيسهم كلمن وأنهم هلكوا يوم الظلة مع قوم شعيب عليه السلام فقالت أخت كلمن ترثيه: كلمون هد ركني *** هلكه وسط المحله سيد القوم أتاه آل *** حتف ناراً وسط ظله كونت ناراً فأضخت *** دار قومي مضمحله وقيل: إن هؤلاء أخذوا كتاب إسماعيل عليه السلام، فعملوا منه كتاباً يتعلم منه، لأن الأحاديث عنهم أنهم استعربوا وضعوا الكتاب العربي والله أعلم. وروي عن ابن جعدة "أن أول من كتب العربية مرامر بن مرة. وأسلم بن الدرة، اجتمعا حتى وضعا مقطعه وموصله، وهما من أهل الأنبار". قال: وسئل المهاجرون من أين تعلموا الكتاب فقالوا: من أهل الحيرة. فسئل أهل الحيرة من أين تعلموا، فقالوا: من أهل الأنبار. وقد أعرب الناس أبا جاد وسعفصاً، فقال معاذ الهراء يخاطب رجلاً عاب النحو والعربية: عالجتها أمرد حتى إذا *** شبت ولم تعرف أبا جادها سميت من يعلمها جاهلاً *** يصدرها من بعد إيرادها وقال آخر: وخطوا لي أبا جاد وقالوا *** تعلم سعفصاً وقريشات حدثنا الحسين بن مرثد، قال: حدثنا محمد بن سلام، قال: أخبرنا يونس، قال: سمعت أبا عمرو يقول: العرب كلها أولاد إسماعيل فأصهر إليهم، والعربية التي روى محمد بن علي بن الحسين بن علي صلوات الله وسلامه عليهم، أن أول من تكلم بالعربية إسماعيل عليه السلام فإنما يعني اللسان الفصيح الذي نزل به القرآن وعربية حمير وبقايا جرهم، غير هذه ليست بفصيحة. قال الصولي: سألت أبا خليفة بن حباب الجمحي عن ابتداء الكتاب ببسم الله الرحمن الرحيم، فقال: سأل ابن عائشة عبيد الله بن محمد بن حفص عن ذلك، فقال: حدثني أبي أن قريشاً كانت تكتب في جاهليتها "باسمك اللهم"، وكان النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، ثم نزلت سورة هود وفيها "بسم الله مجراها ومرساها" فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يكتب في صدر كتبه: "بسم الله"، ثم نزلت في سورة بني إسرائيل "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى"، فكتب: "بسم الله الرحمن"، ثم نزلت في سورة النمل: "إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم". فجعل ذلك في صدر الكتب إلى الساعة. وكتب "بسم الله الرحمن الرحيم" في أول كل سورة من القرآن، إلا في أول سورة التوبة، فإنه يروى عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: لم يكتب بين الأنفال بسم الله الرحمن الرحيم والأنفال من أول ما أنزل الله في المدينة، وبراءة من آخره، إلا أنها تشبهها، وقصتها كقصتها. وكان النبي صلى الله عليه وسلم ربما تلا الآيات فيقول: "هذه مكانها في سورة كذا، فاجعلها تليها". وهذا بفضل من الله عز وجل عليهم. والمعنى: اقرأ يا محمد بسم الله وقل بسم الله، ثم حذفت قل ليعلم المخاطب أن معناه الأمر. والباء صلة فعل محذوف حذف لعلم القارئ به وهو: أبدأ بسم الله وأقرأ بسم الله، لأن جبريل كان إذا نزل بالوحي قال: "اقرأ يا محمد، قال: وما أقرأ؟ قال: اقرأ بسم الله". والمعنى في الابتداء بها، في غير القرآن، بدأت بسم الله. ثم كثر ذلك وعلم حتى أسقطوا بدأت. وقال سيبويه: معنى الباء الإلصاق تقول: كتبت بالقلم، فالمعنى أن الكتابة ملصقة بالقلم. وهي مكسورة أبداً لأنه لا معنى لها إلا الخفض، فوجب أن يكون لفظها مكسوراً. والله تبارك اسمه، اسم خاص للمعبود جل وعلا، لا يسمى به سواه. قال الله تعالى: "هل تعلم له سمياً". قال المفسرون: لا يعلم من تسمى الله إلا الله عز وجل، ولا يعرف لهذا الإسم اشتقاق من فعل. ولا أحب ذكر ما قاله النحويون فيه لأنه يكلف لا يضر تركه. وأسماء الله عز وجل، بعد هذا، صفات: فالرحمن الرحيم ذو الرحمة، ولا يقال رحمن إلا لله تعالى. ويقال: فلان رحيم لأن رحمن في وزنه فعلان، من أسماء المبالغة في الرحمة وغيرها، والله تعالى نهاية في الرحمة وليس شيء كذلك، فلهذا لم يسم به غير الله. والرحمة من الله تجاوز عن ذنب، وإحسان عن حسنة، وإيصال الخير إلى عباده. والرحمة من العباد إشفاق ورقة، تحدث فيهم. وليس في الأفعال ما يبنى عليه ثلاثة أسماء مثل رحم فهو راحم، ورحيم ورحمان إلا سلم وسليم وسليمان، وندم فهو نادم ونديم وندمان، ولا يقال من الندمان: نادم إنما يقال: نادمته. والألف في بسم الله وصل لأن غيره تصغيره سمي. وحكى أبو زيد أن العرب تقول: هذا اسم وهذا سم وسم وأنشد: بسم الذي في كل سورة سمه ويروى سمه، وإنما ضموا السين وكسروها، لأنه سموت وسميت بمعنى ارتفعت وعلوت، فمن قال: سم فكسر فمن سميت ومن قال سم فهو من سموت. ومعنى قولك: أسميت لفلان فلاناً، وإنما هو رفعت له صفته وما يعرفه به حتى عرفه. والاسم مأخوذ من السمو وهو الارتفاع، وأصله سمو والجميع أسماء مثل حنوا وأحناء وقنو وأقناء. ومن قال الاسم مأخوذ من السمة، كأنك إذا قلت: أسميته لفلان، كان المعنى وسمته له بشيء عرفه به، حذفت منه فاء الفعل ودخلته ألف الوصل ألا ترى أن عدة وزنة أصلهما وعدة ووزنة، فإذا صغرتهما رجعت الواو، فقلت: وعيدة ووزينة. وكذلك تصغير صلة وصيلة، فلو كان اسم من سمة لكان تصغيره وسيمة، ولكن تصغيره سمي، فبطل أن يكون من السمة، فكان يجب أن يكون وسم وسمة، ووزن وزنة، كما قالوا صل صلة، ولكن وقعت الواو، ولذلك كان يجب أن يقال وزن يوزن، مثل عدل يعدل، فوقعت الواو بين ياء وكسرة، فحذفت فقيل وزن يزن، وإنما كرهت العرب أن تتكلم بضمة بعد كسرة، وكسرة بعد ضمة في الواو والياء، لأنه يصعب في اللفظ قليلاً. وإنما يتكلمون بما خف على ألسنتهم، ولذلك صحت لهم الأسماء في الثلاثي كله، إلا في صنفين. والثلاثي قولهم فعيل وقد سموا على فعل، فقالوا: عضد وسموا فعل فقالوا: عنب، وسموا بفعل فقالوا: إبل، وسموا بفعل فقالوا: طنب، وسموا بفعل فقالوا: حرد، ولم يسموا بفعل ولا بفعل كراهة لثقل ذلك ليس في أسمائهم دئل ولا شيء على وزنه، ولا مثل دول ولا شيء على وزنه. حذف الألف من بسم الله وما ذكر من حذف السين أجمع القراء وكتاب المصاحف على حذف الألف من بسم الله الرحمن الرحيم في فواتح السور والكتب وعلى كتبهم إياها في قول: "فسبح باسم ربك العظيم"، لأنها وقعت موقعاً معروفاً لا يجهل القارئ معناه وكثرت فاستحق طرحها. إذ كان من شأن العرب التخفيف إذا عرف المعنى ولم يكثر ككثرته مع الله عز وجل، فحملهم كثرة الاستعمال ومعرفة المعنى لأنه يقال بدأت بسم الله فحذفت بدأت ثم حذفت الألف في الخط. وحذف قوم السين وذلك مكروه لأن حروف الزيادة والنقصان الألف والواو والياء فحذفت الألف وليست السين كذلك. روي أن كاتب عمرو بن العاص، كتب إلى عمر بن الخطاب، رضي الله عنه "بم الله" باءً وميماً وحذف السين. فأمر عمر بضربه فضرب، فقيل: في أي شيء ضرب؟ فقيل: في سين. فضربت مثلاً. ويصير إذا حذفت السين كأنه "بم الله" وبم ولم يستفهم بهما. وألف اسم لا يحذف إذا أضيفت إلى غير الله، ولا تحذف في غير الله من الصفات مثل اللام في قولك: "لاسم الله حلاوة في القلوب" و "ليس اسم كاسم الله" لا بد من إثباتها. وأجاز الكسائي طرح الألف في قولهم: باسم الخالق وباسم الرحمن، وغيره يأبى ذلك، ولا يجيزه إلا في بسم الله وحده. وعلى هذا العمل وهو الصواب. وكتبوا: الرحمن، بغير ألف لكثرة الاستعمال وإن المعنى لا يخل.
|